فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه} الآية.
قال ابن إسحاق والسدي: وإنما جاءُوا ليمتاروا من مصر في سني القحط التي ذكرها يوسف في تفسير الرؤيا، ودخلوا على يوسف لأنه كان هو الذي يتولى بيع الطعام لعزته.
{فعرفهم} فيه وجهان:
أحدهما: أنه عرفهم حين دخلوا عليه من غير تعريف، قاله ابن عباس.
الثاني: ما عرفهم حتى تعرفوا إليه فعرفهم، قاله الحسن.
وقيل بل عرفهم بلسانهم العبراني حين تكلموا به.
قال ابن عباس: إنما سميت عبرانية لأن إبراهيم عليه السلام عبر بهم فلسطين فنزل من وراء نهر الأردن فسمّوا العبرانية.
{وهم له منكرون} لأنه فارقوه صغيرًا فكبر، وفقيرًا فاستغنى، وباعوه عبدًا فصار ملكًا، فلذلك أنكروه، ولم يتعرف إليهم ليعرفوه. قوله عز وجل: {ولمّا جهزهم بجهازهم} وذلك أنه كال لهم الطعام، قال ابن إسحاق: وحمل لكل رجل منهم بعيرًا بعدَّتهم.
{قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم} قال قتادة: يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
قال السدي: أدخلهم الدار وقال: قد استربت بكم تنكر عليهم فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيونًا، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال: إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبرئ به أحوالهم. وقيل: بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.
{ألا تروْن أني أوفي الكيلَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
الثاني: أنه كال لهم بمكيال واف.
{وأنا خير المنزلين} فيه وجهان:
أحدهما: يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.
الثاني: وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار.
قوله عز وجل: {فإن لم تأتوني به فلا كيْل لكم عندي} يعني فيما بعد لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال.
{ولا تقربون} أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.
قال السدي: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي: إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولًا وأحسنهم رأيًا.
قوله عز وجل: {قالوا سَنُرَاوِدُ عنه أباه} والمراودة الاجتهاد في الطلب، مأخوذ من الإرادة. {وَإِنَّا لَفَاعِلُون} فيه وجهان:
أحدهما: وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني: وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة:
أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.
الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث: لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي}
يُقَالُ إنَّ الَّذِي اقْتَضَى طَلَبَهُ لِلْأَخِ مِنْ أَبِيهِمْ مُفَاوَضَتُهُ لَهُمْ بِالسُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِهِمْ، فَلَمَّا ذَكَرُوا إيثَارَ أَبِيهِمْ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَحَبَّتِهِ إيَّاهُ مَعَ حِكْمَتِهِ أَظْهَرَ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرَاهُ وَأَنَّ نَفْسَهُ مُتَطَلِّعَةٌ إلَى عِلْمِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ غَرَضُهُ فِي ذُلِّ التَّوَصُّلِ إلَى حُصُولِهِ عِنْدَهُ وَكَانَ قَدْ خَافَ أَنْ يَكْتُمُوا أَبَاهُ أَمْرَهُ إنْ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ يُوسُفُ وَأَنْ يَتَوَصَّلُوا إلَى أَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ وَمَعَ أَخِيهِ، فَأَجْرَى تَدْبِيرَهُ عَلَى تَدْرِيجٍ لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَيْهِمْ مَا يَشْتَدُّ اضْطِرَابُهُمْ مَعَهُ. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}
قال السدي وغيره: سبب مجيئهم أن الجماعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب، وروي أنه كان في الغربات من أرض فلسطين بغور الشام. وقيل: كان بالأولاج من ناحية الشعب، وكان صاحب بادية له إبل وشاء، فأصابهم الجوع، وكان أهل مصر قد استعدوا وادخروا من السنين الخصيبة، فكان الناس يمتارون من عند يوسف، وهو في رتبة العزيز المتقدم، وكان لا يعطي الوارد أكثر من حمل بعير، يسوي بين الناس، فلما ورد إخوته عرفهم يوسف ولم يعرفوه هم، لبعد العهد وتغير سنه، ولم يقع لهم- بسبب ملكه ولسانه القبطي- ظن عليه؛ وروي في بعض القصص: أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم، فباحثهم بأن قال لهم- بترجمان- أظنكم جواسيس، فاحتاجوا- حينئذ- إلى التعريف بأنفسهم فقالوا: نحن أبناء رجل صديق، وكنا اثني عشر، ذهب واحد منا في البرية، وبقي أصغرنا عند أبينا، وجئنا نحن للميرة، وسقنا بعير الباقي منا، وكانوا عشرة، ولهم أحد عشرة بعيرًا؛ فقال لهم يوسف: ولم تخلف أخوكم؟ قالوا: لمحبة أبينا فيه، قال: فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم وأرى لِمَ أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين؟ وروي في القصص أنهم وردوا مصر، واستأذنوا على العزيز وانتسبوا في الاستئذان، فعرفهم، وأمر بإنزالهم، وأدخلهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه وأهبة شنيعة؛ وروي أنه كان متلثمًا أبدًا سترًا لجماله، وأنه كان يأخذ الصواع فينقره، ويفهم من طنينه صدق ما يحدث به أو كذبه؛ فسئلوا عن أخبارهم، فكلما صدقوا قال لهم يوسف: صدقتم، فلما قالوا: وكان لنا أخ أكله الذئب، طن يوسف الصاع وقال: كذبتم، ثم تغير لهم، وقال: أراكم جواسيس، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم في ذلك، في قصص طويل جاءت الإشارة إليه في القرآن وجيزة.
والجهاز ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وكل ما يحمل، وكذلك جهاز العروس وجهاز الميت.
وقول يوسف عليه السلام: {ألا ترون أني أوفى الكيل} الآية، يرغبهم في نفسهم آخرًا، ويؤنسهم ويستميلهم. و: {المنزلين} يعني المضيفين في قطره ووقته، والجهاز- المشار إليه- الطعام الذي كان حمله لهم، ثم توعدهم إن لم يجيئوا بالأخ بأنه لا كيل لهم عنده في المستأنف، وأمرهم ألا يقربوا له بلدًا ولا طاعة، و: {لا تقربون} نهي لفظًا ومعنى، ويجوز أن يكون لفظه الخبر ومعناه النهي، وتحذف إحدى النونين كما قرئ: {فبم تبشرونِ} [الحجر: 54]- بكسر النون- وهذا خبر لا غير. وخلط النحاس في هذا الموضع؛ وقال مالك رحمه الله: هذه الآية وما يليها تقتضي أن كيل الطعام على البائع، وكذلك هي الرواية في التولية والشركة: أنها بمنزلة البيع، والرواية في القرض: أن الكيل على المستقرض.
وروي أنه حبس منهم شمعون رهينة حتى يجيئوه ببنيامين،- قاله السدي- وروي: أنه لم يحبس منهم أحدًا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان يوسف يلقي حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيطن فيقول لهم: إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أبًا شيخًا».
قال القاضي أبو محمد: كأنها حيلة وإيهام لهم، وروي: أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام إظهارًا لعزته بحسب غلائه في تلك المدة، وروي: أن يوسف استوفى في تلك السنين أموال الناس، ثم أملاكهم، فمن هناك ليس لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك. وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع ليكمل أجر يعقوب ومحنته وتتفسر الرؤيا الأولى.
{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} تقدم معنى المراودة أي سنفائل أباه في أن يتركه يأتي معنا إليك، ثم شددوا هذه المقالة بأن التزموها له في قولهم: {وإنا لفاعلون}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} أي جاؤوا إلى مصر لما أصابهم القحط ليمتاروا؛ وهذا من اختصار القرآن المعجز.
قال ابن عباس وغيره: لما أصاب الناس القحط والشدّة، ونزل ذلك بأرض كنعان بعث يعقوب عليه السلام ولده لِلْميرة، وذاع أمر يوسف عليه السلام في الآفاق، للينه وقربه ورحمته ورأفته وعدله وسيرته؛ وكان يوسف عليه السلام حين نزلت الشدّة بالناس يجلس (للناس) عند البيع بنفسه، فيعطيهم من الطعام على عدد رؤوسهم، لكل رأس وَسْقًا.
{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ} يوسف: {وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} لأنهم خلّفوه صبيًا، ولم يتوهموا أنه بعد العبودية يبلغ إلى تلك الحال من المملكة، مع طول المدّة؛ وهي أربعون سنة.
وقيل: أنكروه لأنهم اعتقدوا أنه ملك كافر: وقيل: رأوه لابس حرير، وفي عنقه طوق ذهب، وعلى رأسه تاج، وقد تزيّا بزيّ فرعون مصر؛ ويوسف رآهم على ما كان عهدهم في الملبس والحلية.
ويحتمل أنهم رأوه وراء ستر فلم يعرفوه.
وقيل: أنكروه لأمر خارق امتحانا امتحن الله به يعقوب.
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ}
يقال جَهَّزتُ القوم تَجهيزًا أي تكلّفت لهم بجَهازهم للسفر؛ وجهاز العروس ما يحتاج إليه عند الإهداء إلى الزّوج؛ وجوّز بعض الكوفيين الجهاز بكسر الجيم؛ والجهاز في هذه الآية الطعام الذي امتاروه من عنده.
قال السّديّ: وكان مع إخوة يوسف أحد عشر بعيرًا، وهم عشرة، فقالوا ليوسف: إنّ لنا أخًا تخلّف عنا، وبعيره معنا؛ فسألهم لِمَ تخلف؟ فقالوا: لحبّ أبيه إياه، وذكروا له أنه كان له أخ أكبر منه فخرج إلى البريّة فهلَكَ؛ فقال لهم: أردت أن أرى أخاكم هذا الذي ذكرتم، لأعلم وجه محبة أبيكم إيّاه، وأعلم صدقكم؛ ويروى أنهم تركوا عنده شمعون رهينة، حتى يأتوا بأخيه بنيامين.
وقال ابن عباس قال (يوسف) للترجمان قل لهم: لغتكم مخالفة للغتنا، وزيّكم مخالف لزيّنا، فلعلكم جواسيس؛ فقالوا: والله! ما نحن بجواسيس، بل نحن بَنُو أبٍ واحد، فهو شيخ صدّيق؛ قال: فكم عِدّتكم؟ قالوا: كنا اثني عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك فيها؛ قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا؛ قال: فمن يعلم صدقكم؟ قالوا: لا يعرفنا هاهنا أحد، وقد عرفناك أنسابنا، فبأي شيء تسكن نفسك إلينا؟ فقال يوسف: {ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ} إن كنتم صادقين؛ فأنا أرضى بذلك: {أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل} أي أتمّه ولا أبخسه، وأزيدكم حمل بعير لأخيكم: {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي} توعدهم ألاّ يبيعهم الطعام إن لم يأتوا به.
قوله تعالى: {أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل} يحتمل وجهين: أحدهما: أنه رخّص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
والثاني: أنه كال لهم بمكيال واف.
{وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين} فيه وجهان: أحدهما: أنه خير المضيفين، لأنه أحسن ضيافتهم؛ قاله مجاهد.
الثاني: وهو محتمل؛ أي خير من نزلتم عليه من المأمونين؛ وهو على التأويل الأوّل مأخوذ من النُّزْل وهو الطعام، وعلى الثاني من المنزل وهو الدار.
قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي} أي فلا أبيعكم شيئًا فيما بعد، لأنه قد وفّاهم كيلهم في هذه الحال.
{وَلاَ تَقْرَبُونِ} أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب، ولم يرد أنهم يبعدون منه ولا يعودون إليه؛ لأنه على العَود حَثّهم.
قال السُّديّ: وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا؛ فارتهن شمعون عنده؛ قال الكَلْبِيّ: إنما اختار شمعون منهم لأنه كان يوم الجبّ أجملهم قولًا، وأحسنهم رأيًا.
و{تَقْرَبُونِ} في موضع جزم بالنهي، فلذلك حذفت منه (النون وحذفت) الياء؛ لأنه رأس آية؛ ولو كان خبرًا لكان {تقربون} بفتح النون. قوله تعالى: {قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي سنطلبه منه، ونسأله أن يرسله معنا.
{وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أي لضامنون المجيء به، ومحتالون في ذلك.
مسألة:
إن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟ قيل له: عن هذا أربعة أجوبة: أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب، ليعظم له الثواب؛ فاتبع أمره فيه.
الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف عليهما السلام.
الثالث: لتتضاعف المسرّة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
الرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته؛ لميل كان منه إليه؛ والأوّل أظهر، والله أعلم. اهـ.